2012-01-07

صمم

 









أذكر صرختين.. واحدة كنت أرتجي منها لفتة انتباه بمحيطٍ مزدحم بالغرباء وأشباه الأصدقاء. الموسيقى, هذا الشيء الجميل الذي يداعب الروح قد يعذبنا باللحن المزعج. الضوضاء جعلتني أصرخ! أما صرختي الأخرى فهي التي لحقت صرختي الأولى, حين فزيت من الحلم بعد أن تمنيت فيه أن يختفي كل صوت. ولم أسمع صرختي تلك!
أمنية تمنيتها ودون المتوقع تحققت. وحين خفت عليها, تكتمت على نفسي. ولم أخبر أحدًا عنها.
--
أرى وجهه غاضبًا, ثائرًا, جادًا.. يكلمني ولا أدري عن أي شيء يتكلم. أحس كأنما تداخل صوتان بحنجرة واحدة كما تتداخل موجات الراديو ببعضها. وأنا, برغم النبرة الجميلة التي كنت أسمعها بإنفراد, حين تشوّشت قررت أن أطفئها. لأني لم أعد أفهم ما يحدث ولا من يتحدث. لذا, وأنا أراقب وجهه كنت أدّعي الاهتمام أهز رأسي تارة وأرفع حاجبي تارة أخرى, وأدعي أن لا يلحظ عازل الفهم الذي بيننا والصمم الذي زال بعده وجع الرأس الذي كان يؤرقني في كل وقت. أنا ممتنة على الهدوء الذي عندي.
بعدما تأقلمت مع حالتي الجديدة, اكتشفوا أمري دون أن أخبرهم. يشفقون عليّ وهم يحسدونني سرًا. أعرف أنهم يحبونني, وأستطيع أن ألمس حبهم, وأراه وإن لم أكن أسمعه, لأنه يصلني دائمًا. أفعال الحب كثيرة, ففطيرة الجوز التي تعدها أمي مثلًا هي من أعمق أشكال الحب.. ومن ذاك الحب العميق الذي يحيطني به هؤلاء.. كان منهم أن يتحركون جميعًا ليبحثوا لي عن علاج.
أعرف أن لصدقتني "عالية" صوتٌ برغم أنه خجول إلا أنه جميلٌ جدًا خاصة حين تكون وحدها تغني قبل أن تدرك أن أحدًا ما يسترق السماع لها. وكم أفتقد صوتها ذاك!
طلبتهم أكثر من مرة أن يكفوا عن البحث والاستشارة.. قلت لهم أني بخير, وبأني حقًا لا أعاني من أي نقص. لكنهم يشفقون عليّ أكثر.. والسبب هو الحب!
يا أيها الحب, لماذا لا تكون جميلًا رقيقًا وهذا فقط دون تعب؟
--
يقول مختص بأني لا أحتاج جراحة فبعض العلاجات لا تتم إلا بالزمن. لكني أحتاج لشهورٍ من التدريبات التي خضعت لها إجباريًا. ولا هي سهلة, ولا أنا أريدها.ولكن فقط لأجل الحب الذي بيني وبينهم.
بعد عام, بذكرى صرختي الأولى اجتمعنا بحفلنا السنوي. وتوّج حفلنا صوت "علياء" تغني. سهرنا طويلًا, وفرحنا كثيرًا. وما لي بالنهاية إلا أن أشكر "علياء" على كل شيء.
كانت تقف عند الباب مع صديقٍ آخر يتهامسون.. وسمعت اسمي بين حديثهم وابتسامتي تتوسع, فاقتربت دون أثر, حتى فصلتني عنهم خطوات أوقفتني.وتلاشت ابتسامتي وهي تلتفت.. تلك الصديقة لم تكن حقًا صديقة, وذاك الحب, أناني جدًا.

في رأسي دار ألف سيناريو بثانية واحدة, ولما فتحت فمي لم أنطق. بلعت ريقي وصوتي. وأغمضت عيني كي لا تقرأ فيها أنني أفهم ويا حظ ذاك الذي لا يفهم. سحبت نفسًا بقوة وركضت صافعةً الباب خلفي ولا أعرف أين دخلت أو خرجت في بيتٍ ليس بيتي. صفع الباب ليس عنفًا مني, ولا عدم السيطرة بل هو إعلان استياء من أمرٍ ما. وأن ما نستاء منه يقع وراء ظهورنا خلف الباب. ويحدث كثيرًا أن نقفل على أنفسنا ونظن أننا حبسنا العام..
زفرة..
تمت!
:)

7 comments:

BookMark said...

أحيانا بعض المصائب نعمة
وأن نظل لا نعرف أفضل من أن نعرف ونبتئس!


أعجبتني القصة :)

خاتون said...

السلام عليكم...
خيرا لك أنك أكتشفت
الكثير خلال هذه الرحلة
عرفت المحب والصديق والأناني وأختبرت مشاعر كثيرة قد تكون وسيلة لنجاحك أو نجاتك وتدريب لك لأمر ما في المستقبل

وعسى الله يخلي لج أمج ويبارك لج فيها وتسويلج فطيرة الجوز التي تحبين

وعساج دوم مستانسة
وراي مشوار في قراءة ما فاتني هنا

موفقة^_*

Unknown said...

فعلا. قد يكون الحب المحيط بنا هو الذي يجعلنا نصارع المرض طلبا للحياة

AlMai Port l ميناء الميّ said...

ما حصل كشف المستور، رائع يا سيما

Latoufa said...

- أحيانًا تلك الأشياء التي نجهلها تبني فينـا شيئًا من معرفة

لأننا حين نعرف نغادر رحلة البحث، و نكتفي دون أن ندرك أننا لن ننتهي من الجهل ..


عميقٌ سيمـا، جميلة :)

فاطمة الابراهيم said...

ربما تختلف حكايتي عن حكايتك لكن الألم واحد بكل تأكيد موجع لدرجة اتفاجأ لمقدرتي على تحمله طيلة العشرين سنة وبلحظة ايقنت الحقيقة كانت صدمة ولازلت أدعي بأني بخير .. وربما كان هذا خيرا لنا لكن القلب أخرق لا يعرف الصواب من الخطأ



من قلبي أسأل ربي أن يلمم الجراح والأمراض ويبعدها عنك بلا رجعه ياصديقة .. أحبك :***

تفاصيلها الصغيرة said...

حبيت تصميم المدونة الجديد

و i miss your writings