2012-04-20

كيفي


الضوء هو مصنع الألوان. والأسوّد والأبيّض المنفيّان من دائرة الألوان هما الحقيقة في وجود الضوء وغيابه. أما لامرأةٍ مثلي ولدت بعصر السرعة, كانت الألوان جاهزة, تتزيّن الصوّر فيها بزهوّة -أردت أن أعيد العالم لأصله: أبيضًا وأسوّد.
جاءتني فترة أبرر فيها كل شيءٍ من قولٍ أو فعلٍ أو أبسط حركة: أقول جملة وأُتبعها تفاهةً بثلاث جملٍ تشرح ما أقصد وما يمكن أن يُفهّم وما لا يمكن أن أقصد فيها. وأتمنى في عمقي بعد ذلك, أن أكون أحسنت صنعًا. وكم كنت في ذلك أجيد تضيعّة الوقت.
من في باله قناعة فكل أعذاري عنده باهتة لا يرى منها إلا ضعفي. وأنا لستُ ضعيفة. من يجهل ما يدور بعقلي, وقلبي, ومحيطي.. من لا يقف بأرضي.. من لا يسمح لروحه أن تخرج لغيره.. فحكمه عني باطلٌ علميًا. وأعرف أن أحدًا لا يهتم بالعلم, ولا بالمنطق, وأن كل ما أقول في العلم والفلسفة هو عندهم إما هرطقة أو جنون. 
لم أعد أتوّجع, ليس لأني تعوّدت, وإنما لأني اشتريت راحتي وانشغلت بنفسي فلم أعد أهتم. اللامبالاة والـ"عادي" التي فيني, ما وصلت لها إلا بعد مبالاةٍ شديدة ووجعٌ كبير.
كنت أخجل من أشياء كثيرة من بينها تعامل الـ"بابا, ماما" ممن يسمع صوت الطفلة الذي يسكن حنجرتي. لا أعرف كيف أصوّب سوء فهمٍ لذلك أترك الأمور كما هي. والصورة لن تتغيّر, لكنها غشاوة أعيننا حين تسقط ستغيّرها.  
حين سألتني متابعة: "ليش أسوّد وأبيّض؟" بقيت أكتب لقرابة الساعة أشرح لها عن تجربتي من هذان اللونان وفي الختام قلت: حين نفهم تركيب الأسوّد والأبيّض, سنرى الألوان ظاهرةً فيهما.
ضحِكّت, وإتهمتني بعدها بالجنون.

أنا لا ألومها, لقد كان خطأي منذ البداية. كان يجب أن أدرك أن ليس جميع الناس يستحقون أن يسمعون رأيي أو أن يرو عقلي. كان يجب أن أتوّقع أن لا يتكلّم كل العالم لغتي, أو أنهم على الأقل يحتاجون أن أعلمهم إياها.

بعد هذا الموقف بأسابيع, جاءتني صديقة مثقفة وكان لها ذات السؤال: "ما قصّة الأبيّض والأسوّد؟" وخرج ردي دون استئذان منطلقًا بصوتٍ وبحركة ساذجة بعض الشيء: كيفي!
صدمها ردي وفاجأني.

أكنت وقحة؟ ربما. بمَ كانت ستتهمني؟ ربما لم تتهمني بشيء, وعلى الأغلب أنها نسيّت بعد هذا الوقت الموقف كلّه. لكنني كلما تذكرت "كيفي" ضحكت على نفسي, على تعابير الصدمة على سامعها, وعلى حقيقة عالم مطلي بألوانٍ مزيّفة.

6 comments:

Anonymous said...

هل نحتاج إلى تفسير أنفسنا للآخرين؟أعتقد أننا نحتاج أن نكتفي بقول رأينا ولا نبرره ولكل من يسمع رأينا له حرية تقدير إجابتنا أو السخرية منها والزمن كفيل بالباقي.

Unknown said...

لووول انصدمت المسكينة
مع انها كانت مثقفة لكن رأيتي ان لا تطرحي وجهة نظرك أو رأيك

ليس كل الناس يجيدون لغة الفن
اذكر مهندس تصميم داخلي عندنا راسم خط منحني متفرع منه طبقات الاخضر والبني على الآيباد
اول ما نظرت لها قلت له هذي قطعة فنية... رغم ضعفي لكثير من الجوانب الفنية

راح يوريها لناس ثانيين... واخذي من التحطيم
لكنه رد عليهم ب... شنو عرفكم بالفن... وما تفهون ومن هالكلام
اللكمات المباشرة تفيد كثيرا

فاطمة الابراهيم said...

لكل واحد منا فلسفته
لا يهم بما يقوله الآخرون
المهم أن أتمسك بما أؤمن به وهذا وحده يكفي !

lil.D said...

نحتاج لتتبرير في مواقف خاصه- "كيفي" .. ليست وقاحه، وانما رد مقنع بالنسبه لي! ... بعض الاحيان يكون هو الجواب الوحيد :)

صفحات مُلطخّة بحروفي said...

ليس من الضروري أن نبرّر كل شيء نفعله للآخرين ..
يكفي أن نُؤمن نحنُ بما نفعل وبما نعتقد ..

* لول ، بس خوش ردّ الصراحة .

Latoufa said...

لـ " كيفي " حكايةٌ أخرى، انها طريقٌ مختصر آخر
و تبرير ٌ لعقول الآخرين، تبرير لبعدها و عدم مقدرتها أو رغبتها بالمشاركة ..
و الأغلب أن البعض يسأل لمجرد السؤال، فتأتي " كيفي " لنجيب لمجرد الإجابة

المهم أيضًا أن تبنى أفكارنا بتأنٍ و هدوء ، ان تقاس تحت كل الظروف
حتى لو أتت " كيفي " فيما بعد، تأتي واثقة و قادرة و لا مجال للتراجع عنها او تبريرها :)
و في حالتج انتي سيما، بأي وقت تقولين كيفي :*