تحليل صمتي أن أحاديثي منذ سنين مضت كانت تلف نفسها بعد أن صارت فراشاتًا تتجوّل بمعدتي عند الكلام, علّها تعود لشرانقها. كنت أخجل لسببٍ لم أعرفه أن أبوح لغيرك, لأنك الساكن في قلبي والخيال بدوت بداخلي متفهمٌ جدًا. ولأنك وحدك من بغيت أن أخصه بالكلام, لم أنطق. بقيت أحتفظ بكل حدثٍ للحديث ولا نتكلم. كتبت قبل زمنٍ: (ذات يوم, سأقرأ لك قصيدةً دون خوفٍ أو خجل.) ويخيفني ويفرحني في أن, أني ما عدت أخجل. ويحزنني أنك لا تشاركني لا الأماني ولا القصيد. أنت تقلقني, تجعلني أتردد أمام المرآة طويلًا, أنظر لشيءٍ ينقصني, أكرر ما أريد قوله أمامها لأحفظه لك بأجمل حرف. كررته كثيرًا حتى صار الغد الذي كنت سأحدثك عنه أمسًا ما تحقق منه شيء, وأصبحت حكاياي قديمة كما الأخبار في صحيفة العام الماضي, لا أحد يكترث بها. لقد فقدت العفوية بالحديث, نسيت كيف يبدأ أو ينتهي الكلام.
ينص علم اللغة على أن لكل كلمةٍ تكوين ينقسم إلى ثلاث أقسام: شكل, وظيفة, ومعنى. أما الشكل فهو تركيب حروف الكلمة على الورق وموقعها في الحنجرة. ووظيفة الكلمة هي الإستراتيجية التي تحتلها في الجملة لتخدم مستخدمها في تقديم أفكاره. والمعنى أخيرًا فهو الغرض من هذا التواصل اللغوي. لذلك فإن تعدد الكلمات لم يأت ليملأ فراغًا في المعجم بل ليتم معنى فيما يكتب ويقال. فهل تعي معنى الحب وأنا أقول الآن أني أكرهك؟ ما عاد الحرف يلبس معناه, وإنما شكله فقط.
بت شهرزادًا كسولة لا يستهويها الكلام. وبألف لياليها كانت تنام عن كل خوفٍ لم بها. وأنت يا أمانها مثلك لا يكون إلا في الأفلام أو الأحلام. صرت لكي أقنع نفسي أن أنام, أقول بأني سأحلم بك. أتمدد في سريري, أقرأ آية الكرسي, أفكر بأشياء كثيرة تطرأ في رأسي دون داعٍ ثم أخيرًا أقرر المضي لأن الأحلام لا تأتي وإنما تذهب ونحن في غفوة. لذلك فإني أسير على قوس قزح الذي هو إمتدادٌ سرّي لكل الأفكار لتنزل حبًا أو تصعد حلمًا فوق الغيم عساني أصل إليك. أصعد سلّم الحلم درجة درجة, أريد ليلة لا يطل بها غرباء يبحثون عن وجوههم في أحلامي. فيالذي اسمك عنوان حلمٍ, غن لي عند الوصول.. أو اعزف مقدمة أحلامي وأنت تتقدم لي من أقاصي الحلم البعيد لألقاك في أول أحلامي وثانيها وثالثها ورابعها وخامسها وسادسها وسابعها... وحتى يكون كل لقاءٍ قادم.. ديجافو حلم.
أكرهك وأحب أحلامي التي لم تتحقق. أحلامي التي لا تناقض الواقع بل ترسم له صورًا أوليّة قد تتغيّر وتتطوّر. إننا في الأحلام لا نطالب بمنطق وهذا يسعدني. ثمة إتساع بحجم الخيال وبقدر ما نتمنى, تتركب الصوّر. فتكون أصابعك فراشاتًا تلاطف جلدي, ويكون لك رأس استكانة شاي أذوب به كقطعة سكّر, ويكون شعري باقة وردٍ تجمعه بحبٍ وتلفه بشريطةٍ من عندك. وألتقي وجهك الذي كلوحةٍ سريالية, في كل حلمٍ له بعدٌ جديد.
لا شيء يأتي من عدم, لكل شيءٍ مرجعيته بما في ذلك الخيال فكل ما نحتاج في هذا الكون متوفرٌ بشكلٍ خام ولنا أن نحسن أو نسيء استخدامه وتطويره ليكافئ حاجاتنا ورغباتنا. لا يوجد واقعٌ جميل دون أحلامٍ جميلة, الحلم هو البداية. فيا ساكن الحلم, كيف لصحوتي أن تراك إذا لم أعرض نفسي للحياة بما فيها من طبيعةٍ وصناعةٍ وتجارب؟ من أين لخيالي أن يأتي بالصوّر؟ لكل فكرةٍ صورة, بما في ذلك الكلمات. الكلمة صورة.. إذ لابد لكي تتجسد أي فكرة أن تكون لها صورة. ولأنك مرجعية أحلامي, تعود لك تفاصيلي كلها. أفعالك هي التي ظلت تعيد رسمك في مخيلتي. وظهورك في حلمي لم يكن فجائيًا وإنما ظل يتكوّن على طول الأيام. لست فارسًا, لكنك دون شكٍ سيّد أحلامي. وأنا -يا سيّدي- لا أخاف من الحلم بل مما يحول بين الحلم والحقيقة. وبالآخر, فأن السرير ليس بساطًا سحريًا ومع ذلك إني أطير وأخشى أن يوقظني إرتطام فأنطق بعد صمتٍ طويل: قد كان حلمًا عاليًا, وأوجعني السقوط.
2 comments:
سلام عليكم..
اسعدك الله وحقق لك امانيك ، شكراً للمعلومات الواردة بخصوص الكلام والخيال والافكار.موفقين
فلسفة الحديث جعلني انسى بأنك سيما ..
انك مبدعه حقاً
سلمت يداك
Post a Comment