غرفة الانتظار, حيث أنا, حيث أكون.. على ذلك الكرسي. أراقب شاشة الأرقام كي لا يفوت رقمي وأضطر لأن آتي مرة أخرى, بالرغم أني على يقين بأني سآتي لمراتٍ كثيرة بعد هذه المرة, لكني لا أريد أن أتأخر أكثر, ولا أدري علامَ سأتأخر وإلامَ أنا مستعجلة. إني انتظرت طويلًا حتى نسيت ما أنتظر. ولست وحدي أنتظر, فأحلامي تنتظر دورها لليقظة كما الأشياء التي لازلت أعشم نفسي بها, وكل ما حاولت الاقتراب منه ومني يبتعد. تعودت أن آتي كل أسبوع حتى صرت أحفظ رائحة المكان, طهره, حوائطه الخالية إلا من بعض الزرقة, والملصقات التوعوية المملة. قضاء أوقاتٍ طويلةٍ على هذا الكرسي يحرر بالي من التزامات تقيدني خارج البنيان الذي أنا فيه. كل شيء هنا بيني وبين هذا الجسد المتعب. ولولا حاجتي لما جئت, لكنت في مكانٍ آخر.. "سانتوريني" مثلًا. في بيت لا تقاس مساحته بالمتر المربع, وإنما بالسعادة التي تسكن داخل جدرانه. البيوت تنام على البحر, وتنكشف على السماء, كأنها مجسمات ألعابٍ صغيرة تغريني بأشكالها وبنيانها. إنها جنة على الأرض, جنة لا أستطيع الوصول إليها.
الوجوه هنا تمر كالأشباح, خالية من التعابير, سريعة كالريح. بت أألف بعضها. الناس يدخلون ويخرجون دون صوتٍ أو تحية. لعله التعب الذي يحوم فوق أرواحنا المنهكة قد تلاقى\تعارف على بعضه فتكتفي الأغلبية بالجلوس بصمت لأن أوجاعهم أشد من رغبتهم للتعارف أو الحديث.
في يوم, خرجت سيدةٌ كبيرة من العيادة وجلست بالكرسي المجاور لي حتى تأتي خادمتها بالأدوية, أو يصل سائقها قرب الباب. كما جرت العادة منذ عرفتها قبل عامٍ ونصف. هي منهم, لا تحكي كثيرًا. تسألني عن حالي, نتبادل أحاديث قصيرة إلى أن يصل الدور ونكتفي. وكنت أحبها لأنها لطيفة. أذكر أنها بغمرة فرحها دعتني لحضور زفاف نجلها\آخر أبنائها وأصغرهم لأشهد أجمل أمانيها تتحقق. ولما لبيت الدعوة فرحت بي جدًا. حين رأيتها تلك الليلة, كانت امرأةً أخرى, تشع فرحًا. وبريق عينيها لا يخفى عن أحد, على خلاف مرضها التي استطاعت أن تخفيه بشكلٍ محترف.
قالت لي: الموت يعرف مداخلنا جيدًا. إنه ليس بحاجة للطرق على أبواب أرواحنا ليصل إلينا مادام يحتفظ بنسخٍ من مفاتيح الخوف المفاجئ لأسباب أبعد مما نتوقع. ولأن المرض لا يصادق أحدًا, أصبح الموت يأخذنا سريعًا ولا يترك لنا اختيار الوداع الأخير.
يومها خرجت ولم أدرك أن انكسار صمتها لم يكن عاديًا, كان اختيارها في أن تصنع وداعًا أخير. قبل أن ترحل, وهي راضية وسعيدة بالحياة التي عاشتها.
في المرات القليلة التي كنت أجلس وحدي في بعد وجودها. كنت أتأمل الكرسي الذي تجلس عليه, أراها فيه ولا يراها غيري. إنه بزحمة وجود الناس, فارغ! لا أحد يعرف أنها كانت هنا, لا أحد يهتم أني هنا. وقفت من على الكرسي, ومشيت قليلًا, أسندت ظهري عند أقرب جدار. ها أنا أترك مكاني فارغًا ليجلس عليه رجلٌ مع ابنته الصغيرة. هذه المرة لم أتابع شاشة الأرقام, ولا شاشة التلفزيون المعلق عاليًا.. حملت نفسي وخرجت قبل أن يصل دوري ودون أن أدخل لأتم مراجعات تحمل إلا علامات الأسوأ..
إني أتوجه إلى البيت سريعًا, أجهز أمتعتي لألاقي كرسي آخر يأخذني إلى الجنة..
تمت
15 comments:
صباحك غاردينيا
قرأتكِ بعين دامعة ورعشة روح كنت أشعر بها في صدري لاتتعجبي كلامي ربما لأنني ممن يزورون ذلك المكان ويجلسون ساعات على الكرسي يرقبون الوجوه المتعبه وينتظرون أمل يطل خلف باب قد لايمنحنا الأمل لنخرج بخيبة أكبر ولكن الحمدلله على كل حال "
؛؛
؛
حفظكِ المولى عزيزتي
وكللكِ بتاج الصحة والعافية
لروحك عبق الغاردينيا
reemaas
ااااه يا سيما
بكيت لان احيانا لا حيلة لنا
بتفاصيل نعيشها و لا نقوى ان نمحو ولو جزء منها لان الواقع يجمعنا بكل راحل ..هي اتت لتذهب كما نحن اتينا لنعود ..و بين العودة و الذهاب ..دعاء للرب بالستر و القبول
ماني قادة اكمل
:")
احب حرفك :*
بدأت القراءة وتسمرت أمام قوة الكلمات
ووجدتني أبتسم في أثناءها
وأرجف مع النهاية
يلفت انتباهي جمال الصياغة والمعنى
الذي ينتثر بين العبارات رغم الألم
أهو وجه ناعم للقوة
أم أنه مصاحب للنقاء المستقر في روحك
أجر وعافية
ما تشوفين شر يالحبيبة
كلمات مؤثرة جدا
أج وعافية يا الغلا
عسى ربي يحفظج ويحميج
غاية في الروعة حبيبتي
أحسست انها قصة حاكها الوجع و جمعت الشخصيات بمقدار الألم الذي حوته انفسهم تجمعوا في دنيا متالمين و رحلوا متالمين لكنهم ارتاحوا في الأخير :)
واصلي ابداعك وسلم لنا هذا القلم
يا من انت من روحه ..
توكلك عليه ينير روحك ..
سيما غاليتي
البوست ربط لساني ..ماني عارفه شنو اقول ...
حبيبتي الموت بالمرض أو بغيره ... الموت واحد .. والحياة حلوة و الأمل أجمل مافيها ... وكلام المرأة حكمه
نعيش حياتنا وما نخاف ... لآن قدر مو بيدنا لا نقدمه ولا نأخره
جد ماني عارفه شقول
ربي يحفظج و إن شاء الله يكون مجرد بوست بعيد عن الواقع ...
و ربي يعطيج طوووووووووووووولت العمر يارب و يمتعج بثوب الصحه و العافية
صباح الجمال كما اعتدت منك
كلمات وصلت ولمست فأثرت وهذا دليل صدق لغتك التي استطاعت أن تتغلغل في داخلي، كتبت اليوم الفجر تحديداً ما بمعناه .. أحلامنا لا تتواضع لطالما ربنا موجود وذلك بعد أن أصابتني انتكاسة استعدت بعدها قواي اختصت بتثبيط أكبر أحلامي.
جعل الله يومك سعيد وأبعد عنكم الأسقام
تصوير اكثر من رائع لحالتنا في غرفة الانتظار
----
شنو احلى من ان الواحد يكون راضي بالحياة اللي عاشها... يالله حسن الخاتمة
----
لا تقصين مراجعاتك... والله يبعد عنك ما تحملها من علامات الأسوء
ماتشوفين شر سيما
:)
السلاام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلاامات .. ما تشوفين شر ان شاء الله
مدونة جمليه =)
كنت هنا ..،
موجعه .. حدّ الألم
="(
شعرت بإنقباض قلبي وأنا أقرأ السطور , شيء من الحزن في داخلي قد تحرّك !
ربما لأنك تحكين حقيقة ..
لكني وحين وصلت لعبارتكِ تلك " إنه بزحمة وجود الناس, فارغ! لا أحد يعرف أنها كانت هنا, لا أحد يهتم أني هنا "
أطلت البقاء ..
فالمعنى عميق وواقعي جداً , أشعرني بأشياء كنت دائماً أتذكرها ,وأظن أني وحدي من تفكّر بذلك ..
لكن , قد تبين لي أن غيري أيضاً يفكر بما أفكّر ..
سيما , كانت حروفك مؤلمة , وأخترقت القلوب , وعادة ما يخرج من القلب فإنه يدخل إلى القلب ..
لكني أتمنى أن الألم الذي دخل قلبي لم يخرج من قلبكِ ,
أتمنى لكِ الصحة والعافية ,
وسعادة ترتدينها في كل أيامكِ ..
كوني بخير دائماً ..
أرق تحية ,
امبي حبيبتي جد وانا اقرا كلامج احس جنها كانت قاعدة يمي وتكلمني
يارب يرزقنا الجنة اجمعين يارب
حبيبتي كلامج وايد أثر فيني
تاثرت بكلماتك جدا
وبخاصة وأنني قريبة جدا من حاليتين على قلبي تمكن منهم المرض
والكل وقت عاجزا عن مد يد المساعدة إليهما
لا نملك غير الدعاء لجميع المرضى والتخفيف عنهم بالقرب منهم وملاطفتهم
بالكلمة الحلوة والروح الأحلى
حفظك الله يا غاليتي من كل شر
وألف لا بأس عليك
لا بدّ من أن أسجلّ إعجابي هنا
ولو بصمت!
حفظكِ المولى، وقلمكِ
رآآآآآئـــعه وآآصلي رعاكـ المولى ...وأتمنى لك من كل قلبي الشفاء العاجل..دمتي بكل الود^^
Post a Comment