الخروج للداخل

قال لي "طلعي برّه" ولكن هل لأحدٍ أن يطلّع للداخل مثلًا؟ "طلعي" لوحدها  تفي بالغرض فلماذا الإسراف بالكلمات دون معنى؟ ثم أين يكون "بره"؟ عبرت الباب ولا أدري أدخلت أم خرجت. الأبواب لا تقرر إذا كنا سندخل منها أو نخرج لأننا نحن من يحدد ذلك. وأيًا كان العبور فالحياة أبواب. نخرج  منها لندخل فيها بشكلٍ آخر. صندوق بداخل صندوق بداخل صندوق... أبواب كثيرة لا تنتهي إلا بانتهاء محاولاتنا في فتحها واكتشاف المزيد بما في داخلها أو أحد جهاتها. لا يوجد "خارج" كل شيء في الداخل. هناك احتواءٌ كبير يضم هذا الكون. فهذه مجرتنا في فضاء. والأرض كوكب في مجرّة. وعلى الأرض قارات, والقارات مقسمّة لدوّل منها المواطن والمنافي. أما وطني ففيه محافظاتٍ ومناطق وقطع وشوارع وبيوت. البيوت بها غرف. بينما أنا فيها, أنت بداخلي. وبداخلك أنت فضاء آخر!

 

لأنهم يعيشون في بعدٍ عنا, يكون صعبًا عليهم فهم أعماقنا المتداخلة. لكنه دافع الفضول يشغل بعضهم, قليلٌ يصل للمعرفة والأغلبية إن لم يجدوا الإثارة يخلقون ويبالغون. من ثقب باب الظنون ينظرون. ينقلوننا من المواطن للمنافي ولسنا لظنونهم عابدين. حين يطل علينا العالم من فتحة بابٍ, فمن الحماقة أن نطل معًا لأننا عندها سنحجب الرؤية عن عينين وللعالم ملايين العيون.

لذا فلأصحاب الضمائر, للمفكر والغشيم..

للمرايا, للقلوب, وللعيون... حريّةً في الفكر بالتعقل أو الجنون.

لوضوحنا, لغموضهم.. لغموضنا, لوضوحهم.. لا حكم ثابت,لا سكون.

أن نفتح بابًا يعني أننا نمضي ونستمر. وأن نغلق الأبواب فبكم من العمر سننشغل بصوّرٍ ليست أكثر من سراب؟

وكم دربًا سيفوتنا؟ وكم طقسًا لن نعرف كيف يكون؟

افتح الأبواب ودع الريح تمر..

قوِّ جذورك..

واسمح لبعض الأوراق بالسقوط..

بهذا العمر أكثر من خريف. والشدّة تلد أجمل الفصول.

لو اقتلعتك الريح يومًا, كن ممتنًا لمكانٍ جديد..

اعتن بداخلك جيدًا, واحرص على البذر الوليد.
 

*الصورة ليست من تصميمي
(: