2013-09-05

فضيحة!

 
بطفولة أخي المغتر بكرشه, كان يحيك الخيال قصصًا كثيرة عن كرشه الصغير كما كان يعتز به كإنجازٍ بطولي يستحق الذكر في كل مجلس. بل ربما لم يكن كرشه هو الإنجاز البطولي وإنما البطل ذاته, بطل يعيش بداخله. كما كان هو إجابته لكل سؤال, نكتة, وحديث.
على سبيل المثال:  
"أين التلفاز؟
في بطني.
لماذا هو في بطنك؟
حتى يتسلى الذين في بطني.
من الذي في بطنك؟
من ليس في بطني؟
ماذا يفعلون في بطنك؟
يعيشون.
لماذا اختاروا المعيشة في بطنك؟
وهل أفضل عيشه من بطني؟ الخير كله هناك." 

وهكذا فإن كرشه هو يوتوبيا من نوع خاص. كما أنه مركز التفكير, مركز الحركة, ومركز الحياة.
أنا لا أختلف عنه كثيرًا, معدتي خالية لكن رأسي ممتلئ بما فيه. "أنا ممتلئةٌ بك."* أنت تنام في رأسي وأنا أسهر بسببك. 
في رأسي لكل فكرةٍ رأس. وأفكاري منها ما هو في مهده, ومن هو في طيش شبابه, كما هنالك الأفكار الهرمة والكسولة. علمًا بأن حال الأفكار كما حالنا منها ما هو مؤنث ومذكر وما لم يتم تحديده بعد. حسنًا, ماذا تفعل الأفكار في رأسي؟ إنها تعيش.  
ألقبه بـ(اكس) كما هو المجهول بمسائل الرياضيات, بجانب أنه الغيمة التي ننبه بعضنا بوجودها عند حضور من لا يحمل معه مظلّة.. "والسما فيها غيم". إنه شخصية إفتراضية ابتكرناها أنا والأصدقاء منذ سنوات. وهو الآن في الخامسة من عمره لم يتغيّر رغم إصرار صديقتي على أنه صار في السابعة. نتناقش قضاياه وإهتماماته بين حينٍ وآخر وتشتد نقاشاتنا حوله كثيرًا. ويحدث أن أتمنى لو آتي به ليشهد على صحة كلامي ويثبت كم أنا قريبة منه وأفهمه. وأحيان, أرتبك حين يمر طفلٌ يشبهه. لأنه شخصية بخيالي. لكن أليس الخيال شيءً من رقي الواقع؟ لذا, لن أتفاجأ لو تقدم لي أحدهم يومًا وقال: "هذا أنا.. الشخصيّة التي ابتكرتها في خيالكِ قد خرجت أخيرًا من رأسك لألتقيك.. أنا أيضًا مهتم أن أتعرف عليك." ما فائدة كل الأفكار برأسي مادامت حبيسةً فيه؟ 
تخيفني الأمور الكثيرة التي لا تتم إلا برأسي.. في خيالي الذي كهذا الكون; يتوسع منذ الأزل. وأنا محتارةٌ بنفسي وبالآخرين. يقول أدونيس: "أنت لا تكرهني, أنت تكره الصورة التي رسمتها عني وهذه الصورة ليست أنا, إنما أنت." بالتالي فإن الآخر لا ينفك أن يكون إلا صورةً بالنفس سواءُ إذا أحببتها, كرهتها, أو لم أحدد شعوري اتجاهها, فإن هذا الشخص هو بطريقةٍ ما..أنا.
بآخر الليل, وأنا جالسةُ على طرف السرير, أفك ضفائر شعري بعنايةٍ, كما لو كان في رأسي لغم. أخاطبك, يا أنت.. يا أناي التي عجزت أن أسميها. دخيلك, تركت بلاد الله الواسعة وجئت تسكن بداخلي؟ كنت على وشك أن أسألك: "هل خطرفي بالك...؟" ثم تذكرت بأن بالك دائمًا بأمان. الخطر في بالي أنا. كل حدٍ يحده تفكيرنا. وهذا القلق الطويل يمكن أن تربطه تنهيدة أو تقطعه ابتسامة. 
في رأسي الخير والشر, في رأسي أصواتٍ كثيرة. وأنت الفكرة المتضاعفة, الفكرة التي عاشت وأنجبت لي أطفالًا مشاغبين يحبون اللعب.. متى ما نعست, أحدثوا ضجةً كي لا أغيب عنهم. وها هم منذ أول الليل يركضون برأسي فلا أنام. 
أفلاطون عجز أن يخرج مدينته الفاضلة من رأسه. فكيف سأنجح أنا بإخراجك من رأسي دون أن أكسر جمجمتي ولا تنكسر أنت؟ أشتكيتك لصديقةٍ قالت أنها الأخرى تمر بحالةٍ مشابهة. وبعد أيام, أبلغتني أنها حبلى.
يا للفضيحة, أنا حبلى منك ونحن حتى لم نتزوّج!
 

-تمت- 

*غادة السمّان
: ) 

1 comment:

بدون تعليق said...

روعة ما كتبتي ..

رجعت اقرا مدوناتكم الجميلة بس عشان اعلق بالتفصيل احتاج الى العودة للقراءة وتمرين نفسي

محتاجين ندخل غرفة (جيم) القراءة

استمري