لا أزعل, لأنني لا أعرف طريق الزعل, ولا أعرف أن أحل الزعل أو كيف أستجيب له. وحتى بالمرات القليلة التي زعلت بها, أعلنت زعلي للعلن بصريح العبارة: "أنا زعلانة!" وكانت ردّة الفعل أن.. لم يحدث شيء. لم ينقلب العالم, لم يخرج الناس في مظاهرات, لم أجد رسالةً في صندوق بريدي, ولا بالونة مربوطة عند نافذة غرفتي, ولا صندوق شوكولاة يواسيني. حين زعلت, لم تذبل وردةً لأجلي, كل ما صار هو أن ذبلت عيني. ولم تمطر السماء.. بل أمطر قلبي.
السماء رمادية وقلبي أزرق.. تعبت من منطقة الحياد. أعزم على تسطيح العلاقات كي لا تتحوّل روحي من جنّة إلى "جنينة" يحتلها العامة, لا أحد يهتم بها لأنها ليست خاصة بأحد, هم هنا لأنهم يريدون التنفيه عن أنفسهم, وتتلوّث روحي بدخانهم وشجاراتهم وصخبهم. أريد أن لا أفكر بك.. إن نمت ليلة البارحة أم أنك مثلي سهرت, ولا إن أيقظك المنبه أم غرقت بالنوم, ولا إن أزعجك كابوس. أريد أن لا أقلق إن كنت تفطرت جيدًا, وإن وجدت نوع رقائق الذرة الذي تحبه, إن كان الحليب ساخنًا أو بارد. وإذا ما كنت مستمتعًا به أم أنه غدى روتينًا عاديًا لا يستدعي إنتباهك. أريد أن لا أهتم بتفاصيلك, أو بيدك -آه من يدك-.
كيف هي؟ ما أخبارها؟ ماذا فعلّت اليوم؟ من صافحت؟ هل تصدّقت لفقير؟ هل ساعدت أحد؟ هل عزفت يدك هذا الصباح على طاولة البيانو أو حتى على طاولة المطبخ؟ هل ردت على رسائلي أم أنها تجاهلتني كما كل مرة؟
كنت سأرد عليك لو أنك فرضًا سألت عن يدي.. سأقول بأنها مجروحة كالعادة لكن ما من ألم. سأقول بأني أحب طلاء أظافري الجديد وكنت سأحبه أكثر لو أنك وضعته لي, أو أنك أطريت بكلامك عليه. سأقول بأن يدي كـ يد كل امرأةٍ محبة, تشتهي أن تصنع لك قالب حلوى. وأن يدي في اللحظة التي تنتهي من الكتابة لك, ستعود كما كانت مفتوحة, تنتظر قربك لتضمك. لكن شيءً من هذا لم يحدث, ولن يحدث.
يفترّض على الحب أن يريحنا, فلماذا لماذا هو يشقينا؟ أردد دائمًا أن الحياة أقصر من أن ننتظر المقابل, أقصر من أن يحبنا من نحبه كما نحب. لكن بداخلي ما يتمنى ذلك الحب. ومادمنا على سيرة الحب, فلكل منا طريقته بالحب. أنا أحب على الطريقة الصامته, حاولت -والله- أن أغني لكن صوتي شنيع. وهو حاليًا مبحوح إلى درجة تمنعني عن الكلام.
ها أنا ألتمس السبعين عذرًا لمن خذلني. أضع مافوق الإحتمال وفوق المتوقع. أسامح لأنني أيضًا أطمّح بالمسامحة لا من باب المصلحة لأنني لا ألزم أحدًا بشيء. يحق لكل إنسان أخطأت بحقه أن يحاسبني ورجائي أن يقبل الإعتذار كما يحق لي أيضًا أن أستدعي ذاكرتي لتحاميني, لا أن تشهد عليّ ضدي. وأن أنادي قلبي ليعترف مرارًا أنه يحب. وإن كان حبي قاصرًا.. فـ "كن منصفًا يا سيدي القاضي.*" إني أمنح ما أستطيع, وما يطلّب مني هو فوق الإحتمال. لو أن النبض خارج الجسد, لوضعت قلبي في يدك. لولا أن القلب لا ينبض إلا بداخلي. فهل تطلب مني الإنتحار؟ أهديتك قلبي, فأنظر ماذا فعلت.
تشتعل نيراني.. تحرقني.. أنهمد جثةً.. ثم أصير رمادًا.. ومن رميمي يحييني الأمل وردة صغيرة تحب الحياة.
بحوارٍ قصير يسألني أحدهم حين ابتسمت: "أنتِ ما تحسين؟"
بلى, أحس. وربما لأني أحس, وأحس أكثر من اللازم, لا يكون عندي كلام. بل يكون هناك فوضى بداية الخلق. وتتم معظم الأمور دون الكلام. وأعرف أن هذا الصمت المتراكم تحت الجلد سيتحوّل يومًا إلى طفحٍ جلدي وحساسيّة.. سيصير الحزن أمراضًا كثيرة منها القولون والحسرة والإكتئاب.. أما الحرّات المتتالية بسرعة السباق, فعلى الأغلب ستصيب القلب بأزمة.
وحين أخيرًا سألت: "فيج شي؟"
أشحت بوجهي كي لا أراك لأن بأحيان, يعجبني الزعل. لكن وجهك يلتقيني في كل الجهات. أغمض عيني كي لا تقرأ تعبي البعيد: "دوخة سهر.. أحتاج شويّة كافيين, قهوة؟"
نسير إلى المقهى, تطلب لي قهوة لا يعجبني مذاقها, أسكب أكياس السكّر, أحرّك الملعقة في الكوب, يدور السكّر, وتدور الأفكار في رأسي.. ها هي أقصى سعادتي: أن نتشارك معًا طاولة وقهوة وو...
أحيان, يعجبني الزعل.
:)
3 comments:
بأمانه عجبني البوست
وبصراحه رسم بسمات على وجهي رغم مر الشكوى الذي إحتواه وحجم الألم الذي تضمنه
لا أدري كيف أصف مشاعري وأنا أقرأه ولكن من المؤكد أن روح إنسانية راقية حركت تلك الأنامل وهي تقرع لوحة المفاتيح
ختاما إياك والزعل
T7l6m.com
في قول الرافعي: "جمال المرئي في الرائي." أجد قناعتي أن بقية المشاعر والأفكار أيضًا تأتي من الرائي\ القارئ كما هنا.
فشكرًا لأنك تقرأ وتستشعر الكلام.
لك تحيّة!
:)
كل تدويناتك جميلة يا سيما كالعادة
لكن هذي التدوينة على قولة ربعنا بتويتر "من أجمل ما قرأت"
:D
ولو اني كنت متوقع بوست بالانجليزي
بس هم من أجمل ما قرأت
:)
Post a Comment