أنا التي تشتري تذاكر سفرها من المكتبات. أهرب من مطارٍ لآخر دون تعب الطائرات. أحلم كثيرًا باللقاء وأخاف بعد كل هذه اللقاءات الوهمية أن يكون الواقع أقل من المتوقع لكنني مستعدة لأن أجازف حتى أكتشف وأن أسقط حتى أتأكد من عمق أرض السقوط ومن قوانين الجاذبية ومن كل العلوم...
-نوفمبر 2012
لست بكاتبةٍ معروفة ولا غير معروفة. أنا بالكاد أصدق أنني أكتب. الكتابة فعل, والكاتب صفة. أنا أأدي الفعل, أما الصفات فيكفيني أن أكون أنا. أكتب لأنني لا أريد لذاكرتي أن تكون لي سجنًا. لمن أكتب؟ لنفسي غالبًا ولمن يجد نفسه في نفسي. أكتب لأسجل موقفي, لأعبّر عن شعوري, لأصف حالي. أكتب لكي أحافظ على بريق اللحظات وأوثق بهتانها. هي كلها, مشاريع كتابة عما يزعجني, وما أحب, وما وقع أو يمكن أن يقع في محيط إهتمامي. الكتابة الشخصية هي جلسة من البوح للتعرف على الذات ولا أنجح دائمًا في إستخراج خلاصة الكتابة أو المغزى من العرض الطويل ومع ذلك فإنني أكتب لكي أتمكن من إيصال النقاط مستقبلًا لرسم صورةٍ حول أمرٍ لم أكن أفهمه. ولأن الغموض الذي يحاوط القضايا يجعلني أتساءل. أنا أسأل لأنني أرى بالسؤال وأجيب السؤال بسؤالٍ آخر وكلما ظننت أنني أصل إلى نهاية, يتضح بعدًا آخر. المحطة الأخيرة, ليست هنا. المعرفة التامة, ليست الآن. السؤال طريقٌ طويل, الإجابة لا تهم حقًا. أن يقودني سؤالٌ لآخر خير من أن أصل إلى سد الجواب بأن أقبل أمرًا على أنه صمم بهذه الطريقة, أو أحاول إعادة تصميمه ليليق بأسئلتي الضخمة فأبحث أين؟ كيف؟ متى؟ لماذا؟ لمن؟ لما؟ ولما لا؟ كما قد لا يكون العيب بالإجابة, بمثل ما قد يكون بالسؤال. من النباهة, أن أعرف ماذا نسأل فالإجابة لن تأتي, بل أنا من يتقدم لها. لذا, فيجب أن أعرف أي بابٍ أطرق. ولو فتح الباب, فلا أضمن لنفسي الدخول. أين مفاتيحي؟ السؤال المكرر صار مزعجًا, الجرس مقطوع: ماذا سأفعل؟
لأجلك في رأسي أسئلةً تخرج أفواجًا أفواج
تخرج بالشارع باحثةً ومعها أركض بلا إحراج
أقطع بالآخر طريقًا وشريط.. أوأصدم بعنفٍ أي جدار
لن أحبس نفسي في سجنٍ أنتظر فيه عن الإفراج
أسئلتي وأنا نتعاون.. سنصلح جرحًا, سننير سراج
ما شكل العالم لو جئنا وخرجنا منه دون نتاج؟
-نوفمبر 2011
لابد للكاتب من أن يضم حروفه, لا بالضرورة في كتاب, لكن أن يضمها قريبًا من روحه. ولكي يتحقق هذا القرب, تكون التجربة بكامل شعورها أن يكون الكاتب هو المخرج والمصوّر والبطل والجمهور والناقد الأول لنفسه. وحينها سيدرك أن لكل تجربة روح. وليس من حقه خلقها وخنقها في درج الذاكرة وإنما واجبٌ عليه العناية بها حتى تصدر وعندئذن هي لا تعود له, الكلمة تمثل نفسها. القصة موجودة حتى بغياب كاتبها. القصة خرجت من سطوة الكاتب. وما من نصٍ يخرج من محض الصدفة. لابد من علاقةٍ بالواقع. نحن نعيش الكلمة التي نكتبها. لهذا فأنا أضعف كثيرًا, أخجل, أخاف, أبكي لخاطر فكرة, وأختبر الشعور. ثمة مقولةٍ لـ أوسكار وايلد: "اعط الرجل قناعًا وسيخبرك بالحقيقة." وأتساءل: لماذا تخرج الحقيقة مقنعة؟ لأننا لن نحتملها بوجهها الطبيعي, لأننا نحن من لا يتقبلها كما هي بل مزينة بأصباغها لتبدو أجمل. كما لجبران رأيه أيضًا فيقول: "هؤلاء الذي يفهمون مقاصدنا, يستعبدون جزءً منا." وأوافقه, أوافقه جدًا. لأننا حين نتفتح فإننا نعطي مجالًا للدخول. القراءة تمنح قارءها فرصة التجول بداخل الروح. تخيّل أن بداخلك أشخاص لا تعرف سوى أنهم يقرؤونك وليست عندك أدنى فكرة عما يريدون أو يطمحون من قراءتهم تلك. للكلمة طاقة, ولأن هذه الطاقة تتحرك كرصاصةٍ في حين, وفي حينٍ آخر تنساب كقطرة ماء. ولأن الأثر هو ما يصنع الفرق, لابد من الإنتباه. لأن مجموع هذه الكلمات سيتشكل مرةً أخرى بعد الكتابة والطباعة في ذاكرة القارئ بإضافاتٍ أخرى من مخيلته. فليت كل ما يتشكل في الخيال جمال. لكن حتى هنا, عند عتبة الجمال أقول أن ليس كل جميلٍ هو ما يسر القلب, فحتى للوجع أن يكون جميلًا.
يا وجعي الجميل إني أكتب لك بحريّةٍ تامة كما يملي علي مزاجي لا كما تشتهي.. يجب أن أوضح, أحزاني ليست للفرجة, قلبي ليس محطة سياحية. إني حين أكتبتك أخرج في رحلةٍ كما كولومبوس حين إكتشف لأمريكتان.. عساي أتعرف عليك, أستكشف ملامحك, ولا يهمني أن يسجل إسمي بالدفاتر أو التاريخ. يكفيني أن أعيش تاريخي بنفسي.. ولا أزعم أنني يومًا سأصل وأنجح فربما, تتغيّر الخريطة, وربما سبقني آخرون, وربما ليست لي في قارتك مكان لكنني برغم ضعفي لا أتراجع.. وها أنذا أدونه كاشفةً عني وعنك لأن الصمت ماعاد بيتي. وأعرف أنني حين أكتب وأتكلم وأرسم فإنني أتكشف, وأن العالم لا يحب العراء لهذا فهنالك دائمًا من يتصدى لمحاولات التعبير. وأعرف أن هنالك من يحاول خلق الفضائح من الصدق الذي لا يستطيع هو الإتيان به. والحقيقة أنني ما عدت أخاف أن أتبيّن.. هذه حقيقتي, هذه أنا كما خلقني ربي.
:)
No comments:
Post a Comment