2014-09-10

من قلبي وحتى آخر الإلهام

سقطت تفاحة على رأس نيوتن، أو أمامه في روايةٍ أخرى فألهمته للتعرف على قانون الجاذبية الأرضية. لكنني شهدت هنا بأم عيني أن هدمت عمارة بأكملها، ولم تهتز شعرةً من رأس واقفٍ أمامها ولا حتى أثرت بمتفرجٍ عليها من خلف واجهة مبنىً مقابل. من شرط على الإلهام إلا أن ينتج سفينةٍ بحرية أو تحفةٍ فنيّة وإلا لا يكون؟
إن ما يجري ليس بسيطًا، لكنه ليس معقدًا تمامًا. المشكلة تكمن بين النظر والرؤية. إذ ليس هناك حدًا واضحًا لمفاهيمنا ولا نشكك فيها. نأخذ كل ما نراه على أنه كما هو، وكل ما نتلقاه هو من المسلمات لأننا شهدنا عليه بحاسة من حواسنا، فلا نحاول نغييره. ولذلك يغيب الإبداع.
ثمة تكنيك رائع ابتدعه "مونيه" وهو فنان تعبيري ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وتميزت أعماله بأنها حالمة لا تطابق الواقع لكنها تظهر إنطباعًا له. إذ كان يرى المشهد الذي ينوي رسمه أولًا بعينيه، ثم يغمضها جيدًا ليبصره جيدًا بقلبه. ومن هناك، من قبله المرهف، يأتي بصوره كما لم يراها أحدٌ قبله. وهذا ما يجب على كلٍ منا تجربته، لا بالرسم ضرورةً ولكن بالسماح لأنفسنا أن تكون لنا نظرتنا الخاصة وأن نجد في أنفسنا طريقًا للإلهام.
لنأخذ تجربة تؤكد ما سبق: ضع محفظتك مفتوحة أمام أحدهم، اطلب منه أن يراها جيدًا لبضع ثوانٍ، ثم اخفها عنه، واسأل عن لونها ثم اسأل سؤالًا آخرًا أكثر دقة: رقم العملة البارزة فيها مثلًا، وقد يجد صعوبةً بالإجابة على الرغم من أنه في البدء كان يزعم أنه يرى جيدًا. نحن نأخذ الصورة البصرية بشكلٍ عام، والتفاصيل تحتاج لتركيز لأنه على الرغم من أن السؤال ليس صعبًا إذ لو كان الشخص مستعدًا له قبل أن تعرض عليه العنصر البصري -مهما كان- فلن تستغرقه الإجابة طويلًا. علمًا أن لا المادة ولا الشخص قد تغيروا لكنه الهدف/الرابط الذي جمع بينهما. ففي الحالة الأولى فإن الشخص يستقبل لكنه لا يفعل شيءً بما يستقبله، كما أنه لا يفكر ولا يحس لا لأنه عديم الإحياس بل لأن ليست له حاجة في ذلك. بينما عند السؤال، فإن الحاجة توجه الفكر للتجربة والبحث عن جوابٍ ضائع. هكذا نحن في مواجهة العالم، حين لا نحدد لنا هدفًا فكل ما يحدث لما يمر علينا هو تكريس وتخزين لمواقف الحياة بأحد مستودعات الذاكرة حتى ينسى كما لم يكن. لذا، فإن الذين تشتعل رؤوسهم بالأسئلة، تومض إجاباتهم بتدفق الأفكار بالمخ عندمت يحدث توافقًا بينها. هذه لحظة السعادة عندما أخيرًا تتوصل إلى حلٍ أو طريقًا يوصلك إليه. هذه اللحظة تحديدًا هي التي تتوقف فيها مندهشًا "لقد وجدتها!"  
إنه ضوء يقود فكرة هائمة إلى حية تنتمي وحيث نبتغي من إنجاز. وكلما زاد ثراؤنا الفكري، كلما أتيحت لنا فرص الإلهام. أما مجالها فهو يعتمد علينا، على الكيفية التي نغذي بها فكرنا وحواسنا، على النمط الذي نختاره لأيامنا. التجارب الجديدة، تحرض الأفكار الجديدة. ومن هنا، فإن الإلهام لا يأتي وإنما نسير إليه. الجذب يجب أن لا يكون من طرفٍ واحد. إنك حين تسعى لأمرٍ فإن الله يسخّر الكون لك. وكلما رغبت بالإلهام، وجدته واقفًا عند بابك، أمام مرآتك، متسربًا إليك من فتحات التكييف، ولابد لابد أن يجد هو الآخر إليك سبيلًا. وعلى سبيل الإلهام مجددًا، فإن الخفافيش هي التي ألهمت الفنان ليوناردو دافينشي لمشاريع الطيران. ثم إن الإلهام لا يأتي بالضرورة من أشياء تستهوينا فحتى صرخة الـ"آه" القادمة من وجع. لها أن تلهمنا.
أما بشأني أنا، والدافع وراء كتابتي جميع ما سبق كان سؤالًا من أحدهم: "ما الذي يلهمك؟" وكان من السهل جدًا أن أختصر فأقول كل شيء لكنني قبل أن أصل لهذه النتيجة أود أن أتبيّن الطريق.
تلهمني النزهات الطويلة، والكتب التي تفتح أبواب حياواتٍ أخرى على حياتي مع إتاحة فرص المشاركة. يلهمني الشتاء بما فيه من كرات صوفٍ وثلج. يلهمني البرد الذي يقربني إليك. يلهمني المطر حين يبلل قلبي وتجففه يديك. يلهمني المد الواصل حتى عمق الروح. تلهمني الأبدية التي ترتسم بابتسامة والعيون التي حين تطالعني كأنما تنادي: "تعال!" تلهمني يدي وهي تبتدع الدهشة كلما كتبت نصًا أو رسمت رسمًا أو صنعت حاجة صغيرة في المطبخ. تلهمني الدمعة الحزينة لأنها تخبرني أن هنالك خلل، وهنالك من يحس به ويشعر إما بعجزٍ أو بالرغبة لإصلاحه أو حتى الأثنين معًا. 
نحن غالبًا ننجذب نحو ما يعجبنا كما نعجب كثيرًا بما يشبهنا. نحن نألف ما يشبهنا لأننا نعرفه. لكن هذا السعي، طريقٌ مسدود لأن نهايته ليست بعيدة عن بدايته ولا تختلف عنه كثيرًا. أن يعجبك شيء لا يعني أن يلهمك، الإعجاب غير الإلهام. كما لابد أن نستوضح أن ذاك الشعور الذي يحركك من الداخل ويدفعك لقولٍ أو فعل، ليس محكورًا في شخص أو مادة. إنه متوفر أكثر مما تظن، وأقرب مما تظن. أنت فقط بحاجةٍ لأن تستشعر بالحياة حولك. ولتتذكر دائمًا أنها رحلة استكشاف، إذا كنا واثقين ومتأكدين من النتيجة، فلا بهجة ولا دهشة ولا إلهام. 
وأخيرًا يا عباد الله، فليبارك الله عقولكم ليستطيع الشوك على وردة أن يلهمكم، ولتروا من قطرة ماءٍ كيف خلق الله كل شيءٍ حي، ولكي يكون لكم الإمتنان على قرطاس حلوى مر بمراحل التفكير والتخطيط والتصنيع والنقل والتسويق ليقع أخيرًا غلافًا لقطعة سكّر وضعها غريبٌ بين أيديكم.

3 comments:

Unknown said...

بالنسبة لي اللي يلهمني هو العالم الكبير.

Back when I was in high school and even college, I thought that my city, country and family is my world. That all changed when I started to connect with ppl around the world. Many of them shared their problems with me and I also shared my problems with them. I've got inspired by the ppl that I had conversation with. In addition, I've learned that the world is not confined to my country. Moreover, I, sometimes, regret all the time and effort that has been given, by me, to narrow my mind and soul to a small place thinking that if I focus on it I will be "safe". That, what I think, is what kept me from getting inspired. Nevertheless, I learned, the hard way, that nothing is safe in this world

As hard as it may be, I look at the big world, try to be part of it, get inspired by it and try to change it. I may have made zero progress in that but I like that fact that I'm failing, standing up, and try again.

The only obstacle that is worthy to mention, if not money, is time.

Cheers

Yasmeen said...

أغيب عن التدوين وأعود لأطالع ما كتبتي من تدوينات
جميله وراقيه الفكر كما عهدتك
تدوينتك راائعه و اضافت ليا الكثير
واظن انني مستعدة للإلهام الآن اكثر من اي وقت مضي
شكرا سيما
دمت بخير دائما

Al Pacino said...

كنت هنا

دمتي